ليبيا دولة ابتليت بصراعات داخلية حادة. ومحاولة الانقلاب الأخيرة هي أحسن دليل على ذلك. وكثير من الانشقاقات القائمة بين الفرق والجماعات المتعددة المتناحرة، عميقة ومن الصعب تسويتها. ومع ذلك فهناك خلافات سهلة نسبياً ويمكن حلها بالتفاهم، ونتائج تسويتها ستكون لها إيجابيات كثيرة للغاية.
إن الصراع المحتدم داخل المؤسسة الليبية للإستثمار هو من النوع الثاني. لقد كان الخلاف الذي امتد لسنوات بين المؤسسة الأم في طرابلس ونظيرتها في طبرق خلال الأسابيع القليلة الماضية في طريقة الحل. فمنذ رحيل السيد حسن بوهادي، الذي كان يمثل ازعاجاً متواصلاً وعقبة أمام أي تقدم نحو التفاهم، بحكمه رئيساً للمؤسسة في طبرق، كانت المشاكل بين الطرفين قد بدأت تسير نحو التجلي والذوبان. وعلمنا أن هناك محادثات جارية لتكوين مجلس إدارة واحد للمؤسسة، وهذا من شأنه توحيد المؤسستين المتوازيتين.
ولكن تلك لم تكن نهاية القصة. لقد دخل الحلبة الآن لاعب آخر في شخصية ما يسمى “اللجنة التسييرية” للمؤسسة التي –مع بوهادي يحرك الخيوط من وراء الكواليس– يهدد بتقويض كل ما تحقق نحو إنجاز التوافق بين الطرفين.
تدعي ما يمسي باللجنة التسييرية الذي يقودها علي محمد حسن أحمد، السيطرة على المؤسسة الليبية للإستثمار بحكم تعيينها من قبل حكومة الوفاق الوطني. وأقل ما يقال في هذا الإدعاء أنه واهٍ وضعيف. فحكومة الوفاق الوطني نفسها مكوّن شرعيته تحت النظر لعدم التصديق عليها من قبل البرلمان الليبي في طبرق. ويزيد من ضعف ادعاء السيد محمد للشرعيه كون قرار تنصيب اللجنة التسييرية التي يرأسها لا يزال يعتبر من قبل جهات متعددة غير قانوني. فقد اعترض عليه عدد كبير من الشخصيات المرموقة بما في ذلك رئيس البرلمان، السيد عقيلة صالح.
وبينما تخضع سلطة اللجنة التسييرية للشك والأخذ والرد، فإن ما تسببه من سوء للمؤسسة الليبية للإستثمار يظل واضحاً للجميع.
انطلق السيد محمد رئيس اللجنة مؤخراً في رحلة الى إيطاليا، مما جعل رئيس المؤسسة في إيطاليا يصدر بيانا يطالب فيه الحكومة الإيطالية ورجال الأعمال في إيطاليا ألا يتعاملوا مع اللجنة التسييرية. فخزعبلات إعلامية وتحركات غير موافق عليها رسمياً من هذا النوع من قبل اللجنة، وفي جو سياسي حساس غير مستقر، من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً، ويدفع بالمسؤولين في المؤسسة الليبية للإستثمار إلى مزيد من الفوضى والإرتباك. فلا يليق بالسيد محمد، الذي من المفترض فيه أنه مكب على “إدارة” صندوق الثروة السيادي الليبي، أن يظهر أنه يقضي جزءاً كبيراً من الوقت في أماكن خارج ليبيا، بما في ذلك مالطا وتونس حيث –كما يبدو– أنهما البلدين المفضلين لإقامته.
ومما يبعث على درجة أكبر من القلق لدى المؤسسة الليبية للإستثمار أن اللجنة التسييرية ترفض أو تسوف في تسديد مجموعة من الفواتير المستحقة المتعلقة بالقضايا القانونية الملزمة المؤسسة بدفعها.
إن التبعات المالية والقانونية لهذا التعطيل وعدم التسديد من قبل اللجة التسييرية تبعات ضخمة. فهذه القضايا لا تمثل فقط فرصة لتعزيز انتصارا المؤسسة في الآونة الأخيرة، كاسترداد مبلغ 120 مليون دولار من شركة كورنهيل كابيتل ومصرف ليمان براذرز. ولكنها تمثل فرصا هامة للمؤسسة لاستعادة مئات الملايين من الدولارات لخزانة الشعب الليبي. فهذه كلها فرص لا يمكن الاستهزاء بها أو أن تهدر وتذهب هباء.
إن المحافظة على كرامة المؤسسة الليبية للإستثمار أمر في غاية الأهمية للمحافظة على الاقتصاد الليبي. ومستقبل اقتصادنا الوطني لا يزال على كفة الميزان. ولا يمكن تركه في أيدي الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة.