الأمور لا تزال تتأرجح حتى بالمعايير الليبية. هناك موانئ نفطية ليبية حساسة في شرق وغرب البلاد رهينة للتقلبات السياسية منذ سنوات حيث نرى انتاجها من النفط في أقل معدلاته. هذا، وصادرات النفط التي يعتمد عليها الاقتصاد الليبي بدرجة كبيرة، تكاد تكون متوقفة تماما. السيولة في ليبيا اصبحت كارثة مستمرة. الطرق والمستشفيات والبنى التحتية الأساسية وغيرها من الخدمات والمشاريع الحساسة تمر بأزمة حقيقية. فهي كلها في حاجة ماسة للتطوير والتجديد والترميم. وهكذا أصبحت البلد رهينة للجريمة والخطف وقطاع طرق القرن الواحد والعشرين.
إن هذه الصعوبات في أي بلاد أخرى تشكل مشكلة كبيرة. فما بالك بليبيا وهي التي تواجه هذه المشاكل دفعة واحدة وفي نفس الوقت.
في هذه الأجواء المظلمة، هناك بصيص من النور في الأفق، حيث قامت المؤسسة الوطنية للنفط مؤخراً باسترجاع المنشآت النفطية في الشرق وعدنا إلى تصدير النفط الخام. كما تسير المؤسسة الليبية للإستثمار بخطوات ثابتة في طريقها لاسترداد أموال بلادنا التي هي في أمس الحاجة إليها.
فقد أعلنت المؤسسة في الايام الاخيرة أنها نجحت في استرداد مبلغ 50 مليون دولار نقدا من شركة كورنهيل كابيتال بعد ثلاثة سنوات من المتابعة في المحكمة.
لقد استثمرت المؤسسة في البداية مبلغ 100 مليون دولار عن طريق شركة كورنهيل. وأدى سوء الإدارة المالية لهذه الأموال إلى خفض قيمتها إلى النصف حتى وصلت مبلغ 54 مليون دولار.
وفي عام 2013 عندما طلبت المؤسسة استعادة ما تبقى من المبلغ الأصلي، رفضت شركة كورنهيل الإستجابة إلا أنها أرغمت للرضوخ إلى القرارات القضائية والإدارية بتسليم الأموال في اغسطس من هذا العام وذلك بعد ثلاثة سنوات من المقاومة.
وأعلنت المؤسسة الليبية للإستثمار ايضا استرجاعها لمبالغ أخرى قدرها 73 مليون دولار أمريكي من ليمان برذرز المفلسة حاليا، بعد متابعة المؤسسة الليبية للقضية منذ عام 2008.
وتحت إشراف لجنة التقاضي التي تم إعادة تشكيلها حديثا، لا تزال المؤسسة الليبية للإستثمار جاهدة في سعيها لاستقصاء قضايا مرفوعة ضد المصرف الأمريكي غولدمان ساكس والمصرف الفرنسي سوسيتيه جنرال وبلاداين وغيرها من القضايا الأخرى.
وتتهم المؤسسة غولدمان ساكس بالتفريط في مبلغ من أموالها قدره 1.2 مليار دولار عبر عمليات غير سليمة أثناء فترة النظام السابق. ومن ناحية أخرى، يتهم الصندوق سوسيتيه جنرال باللجوء إلى استخدام أساليب ووسائل مخادعة، منحرفة وغير قانونية للمتاجرة بأموال ليبية بمبالغ حجمها 2.1 مليار دولار في استثمارات خطيرة. واستعاد رئيس المؤسسة الليبية للإستثمار عبدالمجيد بريش تلك القضايا في اوائل عام 2014.
إنه لمن المشجع جداً أن نرى الآن نتائج الجهود القانونية للمؤسسة الليبية للإستثمار.
ورأينا المزيد من الأخبار الجيدة مؤخراً حيث بدأت العلاقات بين المؤسسة الليبية للإستثمار في طرابلس وطبرق بالتحسن منذ مغادرة حسن بوهادي الرئيس السابق للمؤسسة الموازية في طبرق الشهر الماضي. وتفيد التقارير أن السيد بريش يجري الآن محادثات مكثفة مع الرئيس الجديد في طبرق، فوزي عمران فركاش بهدف تشكيل مجلس إدارة واحد وموحد للمؤسسة. ولا شك أن هذا التطور يشكل خطوة هامة إلى الأمام.
إن نجاح المؤسسة في القضايا المذكورة، والتي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، هو نجاح يستحق الاعتراف به والترحيب به. ولم يكن هذا النجاح ليأتي في لحظات هي أكثر أهمية وحساسية من هذه اللحظات التاريخية بالنسبة لليبيا. ففي الوقت الذي يجب أن تنصب كل الجهود لإنقاذ بلادنا من السقوط في الهوة، يأتي هذا المثل في الوقت المناسب ليذكرنا بقدرتنا على تحقيق الانجازات عندما نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.